في أجواء روحانية لا نظير لها على قاعة جمال عبدالناصر بجامعة صنعاء القديمة، انطلقت الدورة العاشرة من مهرجان الرسول الأعظم للإبداع الفني والثقافي، بحضور جماهيري كبير، لكن اللافت هو التكتيك الجديد الذي أُجري به حفل الافتتاح، ولأول مرة، يكون الحفل من البداية حتى النهاية على شكل لوحة فنية استعراضية، ليعيش الجمهور الحاضر أبجديات الافتتاح برمتها "مع النور".
بداية الرحلة
بدأت اللوحة بتلاوة عطرة للقرآن الكريم، وترديد الصلاة الإبراهيمية، مما أضفى جوًا من الروحانية والتأثر على الحاضرين، ثم انتقلت اللوحة الاستعراضية إلى تجسيد التاريخ اليمني القديم، من خلال تمثيل شخصية التبع الحميري ودوره البارز في نصرة الرسول ودعوة قومه للإيمان به، وقد تم تقديم الأداء التمثيلي بمهارة فائقة وحيوية ملحوظة.
ومن الماضي القديم إلى الحاضر، تحلق اللوحة بالجماهير للوقوف وترديد النشيد الوطني، لتتركز أعينهم على الشاشات الموجودة يمين ويسار المنصة بمشاهدة المعالم التاريخية البارزة التي تزخر بها المحافظات اليمنية، مما أعطى اللوحة روحًا وطابعًا وطنيًا قويًا، وعكس الصمود الأسطوري للشعب اليمني الذي يستمد صموده وعزته من سيد الخلق.
مولد النور
بعد ذلك، تعود اللوحة بالجماهير لتحط رحالها في يثرب حيث كان الأوس والخزرج بانتظار قدوم النبي الخاتم، حيث تم تجسيد بشارات وعلامات ميلاد الرسول محمد واستبشار اليمنيين بها، ثم تلاها تلاوة قصيدة (ولد الهدى) لأحمد شوقي بصوت الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي -رضوان الله عليه، ومن ثم عرض حوارات قريش ومحاولاتهم الفاشلة لثني الرسول عن دينه ورسالته.
مع اكتمال عرض حوارات قريش، يتخلل اللوحة فاصل إنشادي بعنوان (صلوات يمانية)، من كلمات الشاعر معاذ الجنيد، قدمتها فرقة الرسالة بأداء رائع ومؤثر، تلاها استعراض ملحمي مؤثر، يبرز حركات الصراع والقتال بين الأنصار والكفار، حيث شارك الأنصار بشجاعة وتضحية للدفاع عن دينهم ورسولهم ورسالته.
لينتهي الصراع بانتصار الأنصار وفوزهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، حيث دخل الممثلون المنصة في أجواء مليئة بالنور والإيحاءات الفنية التي زادت الحاضرين شوقًا وتطلعًا للقاء المصطفى صلوات الله عليه وعلى آله وسلم.
وفي لحظة روحانية فارقة، وبينما ينطلق نور مولد الرسول الخاتم، تجتاح السعادة الغامرة مشاعر الأنصار، وأثناء ذلك يقتحم الكفار المكان موجهين السيوف والسهام نحو الأنصار، ليواجههم الأنصار بالتحدي والشجاعة والاستعداد للتضحية، ومن ثم يستقبل الأنصار النبي محمد في مدينة يثرب، التي تنورت بنوره وهداه، وما تم سرده هو من تفاصيل اللوحة الفنية.
عشرية الإبداع
وفي سياق تتابع تجليات إبداع اللوحة الفنية، تتعالى أصوات المنشدين بـ (صلى عليك الله يا علم الهدى)، وتلك فقرة إنشادية مؤثرة لنخبة من المنشدين، وعلى وقع انتهاء الأنشودة، يستمع الجمهور إلى خطاب معبر يتحدث عن سيرة اليمانيين في مسيرتهم على درب رسول الله، حيث كانوا الرواد والفاتحين لأصقاع وبقاع العالم.
وعلى مدار اللوحة الاستعراضية، تفاعل الحاضرون بشكل عفوي وتلقائي، يعكس مدى الأثر الذي أحدثته فقرات اللوحة الفنية، وهي لم تنتهِ بعد، حيث وصلت عمق ارتباط اليمنيين برسول الله قديمًا، بارتباطهم في الوقت الحاضر، من خلال ريبورتاج يسلّط الضوء على قصة مهرجان الرسول الأعظم ومسيرته على مدى عشرة أعوام.
حيث جرى استعراض دورات المهرجان السابقة، بدءًا من الدورة الأولى حتى التاسعة، مع التركيز على استمرارية المهرجان وسط العدوان الغاشم والحصار الذي يعانيه اليمنيون، كما تم عرض ربيورتاج آخر يتضمن الجهود المبذولة في العمل على استكمال الجوهرة العاشرة في عِقد العشرية الأولى للمهرجان، وهي هذه الدورة التي تنطلق فعالياتها ومسابقاتها بهذه اللوحة الاستعراضية البديعة.
وحتى اللحظة ما يزال الجمهور الحاضر "مع النور"، لتصل اللوحة الاستعراضية إلى منتهى إبداعها وتختتم تألقها بالعرض المسرحي "خارج نفسك"، الذي قدمه نجوم المسرح والدراما اليمنية، وتمحورت فكرته حول حب هؤلاء النجوم لرسول الله وسبب استمرارهم في تقديم المسرحيات في مهرجانه الإبداعي على مدى السنوات الماضية.
العرض المسرحي الذي اختتمت به اللوحة الاستعراضية التي شكلت حفل الافتتاح، شهد تفاعلًا كبيرًا من الجمهور مع عمق تعبير وتأثير الممثلين، لتكتمل اللوحة بمشهد بديع للحب والولاء الصادق للرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
هذه هي اللوحة الأولى فقط، وتزخر الدورة العاشرة بالعديد من اللوحات الإبداعية والفنية التي يجسدها المبدعون إنشادًا وشعرًا على مدى أسبوع الدورة العاشرة، ليبقى اليمنيون "مع النور" يقتبسون منه ليضيء دروبهم وينير قلوبهم وبصائرهم.