تُطوى صفحة هي التاسعة، من صفحات مهرجان هو الأكبر في اليمن، بالإبداع الفني والثقافي في حضرة الرسول الأعظم، وبينما يستمر المهرجان في رفد الساحة الإبداعية والفنية بالنجوم في الشعر والإنشاد والمسرح، بعد صقل مواهبهم وتشذيبها وتهذيبها، تبقى الذكريات في ذاكرة الأيام، ومن رحاب هذه الدورة تجلى التنافس مضيئاً بنجومه، الذين تُوجوا على منصة الرسول الأعظم، لدى حفل اختتام فعاليات الدورة التاسعة، ومن مقامٍ يتوق للمصطفى، يُطلُ عليكم فارس مسابقة الشعر، الفائز بالمركز الأول لهذه الدورة، في حوارٍ ضافٍ، مع موقع مهرجان الرسول الأعظم للإبداع الفني والثقافي...
شاعرٌ يقف بقصائده أمام لجنة تحكيم متخصصة، فيبوح بأعذب ما تجود به قريحته، معبراً عن شوقه إليه له بالقدر الذي تقف عنده موهبته، فيتمكن من تجاوز مراحل المسابقة في مجال الشعر الفصيح، ويحصل على المركز الأول؛ إنه الشاعر عمار خالد الشامي، فمن هو عمار الشامي؟ وماذا عن مسيرته الشعرية؟ وماذا تعني له المشاركة في مهرجان الرسول الأعظم؟
هذه التفاصيل وأكثر يسردها لكم شاعر الرسول الأعظم بلسانه في هذه السطور، التي تفيض بحب المصطفى وتعظيم قدره ومقامه، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين..
شاعرٌ بحق
يعتبر الشعر أشبه بعملية تنقيب عن لحظات الحياة، كما لو أنها نفط خام، ويعرفه بالقدرة على التقاط اللحظة وتحليلها ثم تلخيصها ثم إعادة إنتاجها شعرًا، ويقول عن ذلك "الشعر صنعة، عمل يتطلب جهدًا، لكنه في المقام الأول والأخير يحتاج إلى الموهبة، وهو "نادٍ" مُضنٍ يجب إعطاؤه حقه من الجهد، والموهبةً أشبه بتذكرة دخول، وهي أدوات واستعداد وقابلية تَصنع الشاعر باستعداده المطلق لخوض التجربة، بعد أن يجد في نفسه تلك الأدوات كائنةً وكامنة، ثم يتقبل هذا العالم، عالَم الشعر البسيط المركَّب"، هكذا ينظر الشاعر عمار الشامي إلى الشعر.
ويعزو سر الإبداع والتألق والتفوق الشعري إلى الارتباط بالذكر الحكيم، حيث يقول "علاقةُ النفس بالقرآن الكريم تصنعُ علاقة بين النفس واللغة، وهذا يجعل الشاعر شاعرًا بحق، حتى لو لم تتوفر حوله أسباب الشعر، فالقرآن الكريم يربط الشاعر باللغة وصحة اللفظ، ويمكنه من القراءة والإلقاء أيضًا، لذلك ستجد أولئك الذين ارتبطوا بشكل أو بآخر بالدين الإسلامي والفقه وطلب العلم والمعرفة، ستسمع منهم وتقرأ لهم شعرًا جميلًا ترقُّ له الحواس".
بدايةُ شغف
وفي إطار الحديث معه عن موهبته الشعرية، و كيف تم اكتشافها وعلاقة الظروف المحيطة بشاعريته، يتحدث الشاعر عمار الشامي بقوله: "حين يخلقك الله في منزل توجد به مكتبة كبيرة وآلاف الكتب والمجلدات والمجلات والمطبوعات المختلفة، فلابد أن تكون كاتبًا أو قارئًا أو على الأقل مهتمًا باكتشاف سر وجود كل ذلك، فكان عليَّ أن أكتشف أبي أولاً، فلم أكن أعلم ما الذي يعنيه أن يكون الأب شاعرًا دون غيره من الآخرين، لكن الأمر عمومًا كان ملفتًا إلى هذا الكائن الذي اسمه الشعر".
"عندما بدأت بقراءة الشعر صغيرًا، رأيتُ عوالمَ أخرى وراء كل شيء، وأبعد من كل شيء، كأنني وجدت تفسيري الخاص لهذا العالم، وكأن كل شيء لابد أن يُقال بقصيدة، ويُصوَّر بصور شعرية، ويَلقى تصفيقًا في النهاية" يضيف الشاعر.
في العاشرة من عمره قرر عمار الشامي أن يرافقه الشعرُ مثل ظله كما يقول، ويضيف إلى ذلك: "عندما كتبتُ أول مرة كان شعرًا ملفَّقًا، وخربشات اقترفتها بحق الشعر، فلم أكن أفهم بالتحديد كيف يمكن أن يَنطق المرء هذا الشعر، فأنا لم أجد سوى كلام مرصوف في صفحات الدواوين الشعرية، ثم إنني وجدتُ في دواوين أبي شعرًا مختلفًا (تفعيلة ونثر) لا يشبه الموزونات التي أجدها في دواوين جبران والبردوني، وكأنّ صداقتي بالشعر لم تكن صادقةً لأفهم منه كل شيء".
أمرٌ مبهم
بعد محاولات وإصرار، عرف عمار الشامي معنى أن يكون الشعر مقفى وموزونًا، وأن يكون حرًا أو نثرًا، فبدأ صداقته الحقيقة مع الشعر، وبدأ بتعلم اللغة العربية ليجد نفسه شاعرًا كما يحلم، ويتحدث هنا عن عائق واجهه: "كان أبي في البداية قلقًا من أن أكون جزءًا من حياة الشعراء القاسية، وكان يفكّر بهذه الصورة لأنه عانى -ومعه شعراء التسعينيات- من أن الشعر لا يُعيل المرء في حياته، لكنه تجاوز الفكرة لاحقًا عندما قرأ لي بعض الكتابات الشعرية".
أما عن تفاصيل بداية ظهوره كشاعر، فيتحدث عمار بقوله: "موضوع الموهبة الشعرية بالتحديد أمرًا مبهمًا بالنسبة لي، لأن الشاعر لا يعلم متى أصبح شاعرًا، ومتى أنعم الله عليه بهذه المَلَكَة، إلا أن مرحلة المدرسة كانت أولى مراحل ظهوري كفتى يكتب الشعر، وذلك بمشاركتي في الإذاعات المدرسية وغيرها من الأنشطة".
ويضيف الشاعر "ظهرت شاعرًا في عام 2010، عندما شاركت في الصف الأول الثانوي بمهرجانٍ للمدارس على مستوى العاصمة صنعاء، وحصلتُ فيه على المركز الخامس، وكان الحاصل على المركز الأول الشاعر والصديق العزيز مجاهد الصريمي الذي حاز أيضًا جائزة الشعر الأولى بمهرجان الرسول الأعظم في الدورة الرابعة".
المهرجانُ الوحيد
ثم يستمر الشاعر عمار الشامي في كتابة الشعر والمشاركة به، ليضيف له العمل في المجال الإعلامي خبرة في اللغة وقدرة في التعبير، حتى يجد الفرصة تلوح له من أفق لا نهاية له، حيث يتجلى منه نور صاحبه هو الرسول الأعظم، ما يجعله أكثر إصراراً على المشاركة في حضرة النور الذي يسطع كل عام من جهة مهرجان لا يخسر من يقف على منصته البتة..
ثم يلتحق عمار الشامي بمسابقة الشعر العربي، ضمن مهرجان الرسول الأعظم بدورته التاسعة، وفي هذا يقول عمار: "كنت متابعاً للمهرجان، وهو المهرجان الثقافي الوحيد الذي يُقام حاليًا، فوجدت فكرة المشاركة جميلة، كون الموضوع الذي سأكتب عنه هو رسول الله صلوات الله عليه وآله، وكانت فرصة جيدة لنبوح بأشعارنا ومواهبنا في رسول الله ونكرّس أنشطتنا الإبداعية في محبته صلى الله عليه وآله وسلّم".
يتقدم المتسابق عمار الشامي للمسابقة بقصيدة من بحر الوافر، وبعد أيام يتم الإعلان عن اسمه ضمن ستة شعراء تم قبولهم من بين 169 متقدمًا في مسابقة الشعر العربي، ويكون ذلك بالنسبة إليه "حدثًا خاصًا لا يمكن وصفه، والحقيقة أنني كنتُ أفكر في الأشخاص الخمسة المنافسين لي ومدى قدراتهم"، حد تعبيره.
ثم تكون تلك هي الخطوة الأولى، لرحلة عمار في رحاب مسابقة لم يكن يعلم أنه سيصبح فارساً لها، وينتقل بعد ذلك برفقة زملاءه الخمسة إلى مرحلة التدريب والتأهيل قبل أن يخوضوا غمار المنافسة على منصة مهرجان الرسول الأعظم، ويصف الشاعر عمار الشامي هذه المرحلة بقوله: "كنت مستغربًا، إذ كيف يحتاج المتسابق لدورة تدريبية كي يخوض منافسةً مع الآخرين".
خلال ثلاث ساعات
ومع بدء الدورة، يصف عمار الشامي تلك اللحظات: "في أول يوم تغيَّرت النظرة تمامًا ولم أتوقع ذلك، فكان مدرّب متسابقي الشعر الشاعر العزيز الدكتور إبراهيم طلحة، الذي استفدنا منه بشكل كبير جدًا، ولا أبالغ في ذلك على الإطلاق، تلقينا فوائد في اللغة وعلم العَروض، وخلال عشرة أيام من التدريب شكَّلنا أسرةً واحدة مكونةً من ستة متسابقين ومدرب، يتحدثون سبع لهجات مختلفة ويجمعهم الشعر وحب رسول الله".
تمر الأيام، ويصل عمار ورفاقه إلى نهاية التدريب، ويفاجؤون بأن يُطلب منهم، كتابة قصيدة من 15 بيتًا في موضوع بناء الدولة اليمنية الحديثة على ضوء الأسس التي بنى عليها الرسول الأعظم الدولة الإسلامية، ونسجها على وزن البحر السريع، خلال ثلاث ساعات فقط، لتكون هذه الأبيات هي أبيات المنافسة في المهرجان، في طريقة قوية اختارتها اللجنة لاختبار القدرات لدى المتسابقين.
ويقول الشاعر في معرض سؤالنا عن ذلك: "الحقيقة هذا الأسلوب معمول به في عدد من البرامج الشعرية عربيًا، وربما سنجد من يَفرضون كتابة القصيدة خلال أقل من ثلاث ساعات، لكن هذه الطريقة قد لا تمكّن الشاعر من تقديم أفضل ما لديه بسبب ضيق الوقت وجَوّ الكتابة، لكن في النهاية هي مسابقة، ونحن جئنا لنتنافس".
قصيدةُ البسملة
بتلك القصيدة التي كتبها عمار الشامي، يبدأ وقوفه أمام لجنة التحكيم والجمهور في مرحلة "إلقاء القصيدة" وعن ذلك يقول "في البداية كنتُ متخوفًا من قصيدتي "البسملة" التي كتبتُها في امتحان الشعر، ورجوتُ الله أن أنال القبول وأوفَّق فيها موضوعًا وبناءً وإلقاءً، والحمد لله زالت تلك المخاوف بمجرد صعودي على المسرح وشروعي في إلقاء القصيدة، وفي أول وقوف لي على المسرح كانت انطباعاتُ لجنة التحكيم جيّدة".
يستمر عمار في خوض التجربة، ومع الانتقال إلى مرحلة السجال الشعري، يقول: "هذه المرة الأولى التي أخوض فيها تجربة السجال الشعري وأمام الناس والكاميرات، إلّا أن روح المنافسة كانت حاضرةً بقوة، وكانت تجربة ملهِمة جدًا وإضافةً إلى رصيد المتنافسين، وفرصةً يختبر بها الشاعر نفسه في الإلقاء بشكل آخر، وفي الكتابة بشكل آخر".
ومما لا شك فيه، أن عمار مع احتدام المنافسة وخوض المرحلتين الثانية والثالثة من المسابقة، كان له خصم يخشى منه على وجه الخصوص، فضلاً عن أن يخشى من كل من تأهل معه إلى المسابقة، وهنا يعترف عمار بذلك مفصحاً عن هوية خصمه الأول حينها ويقول: "الشاعر خالد العربي، القادم من الحديدة، هو شاعر جميل جدًا وذكي وقارئ، ولديه حس نقدي عالٍ وتجربة شعرية جميلة، ومنافسته كانت مشرّفةً لي، وبشكل عام كان مسرح المهرجان ساحة ملاحم شعرية لا تُنسى"، والعربي هو الفائز بالمركز الثالث في مسابقة الشعر لهذه الدورة.
سجالُ النصر
وخلال رحلة المنافسة كان لكل متسابقٍ مواقف صعبة وحرجة، وعن نفسه يقول المتسابق عمار الشامي : "خلال المسابقة كان الموقف الصعب هو السجال ببيت شعري خلال دقيقة مع العزيزين خالد العربي وعبدالرحمن اليفرسي، كونها أول وقفة من هذا النوع لنا الثلاثة".
وفي المقابل هناك لحظات مواقف جميلة بالنسبة لكل المتسابقين، أما بشأن عمار فيتحدث بالقول : "خلال المسابقة لم استطع تقديم أفضل ما لدّي في حب الرسول الأعظم بسبب أن نظام المسابقة كان محصورًا على السجال، إلا أنني تمكنت في الحفل الختامي من إلقاء قصيدة كتبتها من أجل هذه اللحظات وهذا اليوم، وهذا كان من أسعد المواقف بالنسبة لي".
حتى ما قبل دقائق من إعلان نتيجة المسابقات، لم يكن قد أًصبح عمار الشامي فائزاً بالمركز الأول، أو حتى يعلم بذلك، ويقول عن شعوره وقتها: "شعرتُ للمرة الأولى أنني أصبحتُ جزءًا حقيقيًا من المهرجان، وكأنّ كل الأيام التي مضت كانت محضَ محاولةٍ للوصول إلى هذه الحقيقة"، وبما أنكم تعيشون معنا تفاصيل قصة تتويج عمار الشامي بالمركز الأول في الشعر العربي، نلفت عنايتكم باقتراب وصولنا إلى نهاية حوارنا الشيّق معه، فإلى بقية التفاصيل.
العطاءُ الكبير
مع وصوله للحظة التتويج، وبعد تلك اللحظة، يقول الشاعر عمار الشامي في معرض إجابته عن انطباعه بشأن المهرجان الذي تربع على طليعته في الشعر هذا العام: "مهرجان الرسول الأعظم أصبح بمثابة أيقونة سنوية، يتذكر عبرها اليمنيون أهميّة إحياء ذكرى مولد النبي الكريم صلوات الله عليه وآله من خلال الفن والثقافة والإبداع"، وعمار كان يثق بحصوله على المركز الأول أو الثاني، حد وصفه.
ويضيف: "لم أفز إلا بعناية الله، وبمحبة رسوله، والمشاركة في هكذا مهرجان هو من باب الحاجة إلى تهذيب النفس، وحصولُ الفوز بدايةٌ لتقييم النفس ثم التخطيط لمرحلة مقبلة، فشكرًا لوجود المهرجان، ورسالة شكر أقدمها للقائمين عليه فردًا فردًا، ولكل الجنود المجهولين وراء الكواليس، وللزملاء المتنافسين، للمتابعين وللجنة التحكيم على منحي هذا العطاء الكبير "المركز الأول" وأرجو الله أن أكون لائقًا بهذا اللقب، وأرجو القبول عند نبيه الكريم".
أنتم الآن تقفون عند نهاية الحوار مع عمار لا نهاية مشواره الشعري، بل البداية المشرقة لتألقه الشعري، بما يحويه بهاء الرسول الأعظم من نور يلهم قريحته ويلهب حماسته، ليستمر في حبك القوافي وسبك المعاني، ولا مقام أجل وأعز من مقام المصطفى، الذي وقف في حضرته عمار وعشرات الشعراء، وباتوا اليوم يحلّقون نجوماً في سماء الإبداع، ببركة الرسول الأكرم ومهرجانه الأعظم، الذي يقام في ربيع النور من كل عام.