منذ أن تطأ قدماك قاعة جمال عبدالناصر، في جامعة صنعاء القديمة، تحلّق روحك باتجاه ستيج المسرح الذي لم يعد كما كان عليه، وأصبح يشع بالأنوار المحمدية من كل الزوايا، بعد أن اكتسى بالفيروزي والأصفر والأخضر، التي قد تكون عادية جداً حال اكتسى بها مكانٌ آخر، ولكنها هنا تشع بالحياة، فتجد نفسك مغموراً بالدفء من كل جانب، ليس لشيء، إنما لأن المقام هو مقام الرسول الأعظم، ومع الرسول يكون كل شيءٍ مختلف تماماً حتى الألوان والضوء.
فكرةُ جميلة
وما أن ابتدأت فعاليات هذه الدورة، وانطلق المبدعون في الشعر والإنشاد للتحليق بإبداعاتهم في حب المصطفى، إلا وبه ينافسهم مشعاً من كل الأرجاء، وكأنه يحمل مشاعر شوق وشغف مثلهم، إذ لا يتصور البعض كيف سيكون المكان بدون حضوره اللافت، ودوره البارز في رسم لوحة الإبداع الفني والثقافي التاسعة، التي يتشارك في تشكيل ملامحها المتسابقون والمشاركون والعاملون في المهرجان بشكلً عام.
كل عمل بديع تسبقه فكرة، وكل فكرة بديعة تستند إلى مترجم له دراية بلغة الإبداع، وتتلاشى الأفكار والإبداعات في حضرة الرسول الأعظم، لأنها لن تصل إلى مستوى عظمته مهما بلغت من الجمال.
ديكور المسرح الذي قدمته واعتمدته إدارة المهرجان ليس مجرد عمل نفذه الحرفيون مثله مثل أي عمل آخر، فعليه رسم العاملون سيمفونية من الحب والعشق للرسول الأعظم، فكان الجهد والوقت فيه مبارك ببركة صاحب المناسبة، ولأن العمل لصاحب المقام الرفيع، كانت الجهود حريصة على تقديم ما يليق به صلى الله عليه وسلم.
"ترتبط خشبة المسرح ارتباطا وثيقا بالديكور ما يسمى بفن التصميم المسرحي، فالديكور يخلق الجو المناسب ويعبر عن الرسالة التي تُقدم على المسرح من خلال الصورة واللون، وهذا ما حاولنا أن نعمله في ديكور المهرجان"، بهذه الطريقة يفسر مهندس ديكور مهرجان الرسول الأعظم، فهمي المنصوب، الغاية والهدف من تصميم الديكور بهذا الشكل البهي.
ذات دلالة
المهندس فهمي المنصوب في معرض حديثه حول جمالية ديكور المهرجان، والفكرة التي تمت ترجمتها لتظهر بذلك الشكل يوضح أيضاً: "فكرة الديكور هي إبراز هوية ومضمون ودلالة مولد الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المهرجان، بحيث تظهر الوحدة والتكامل في كل جوانب المهرجان".
بحس فني مفعم بالعشق للنبي الأكرم، ونظرة رسام شغوف بشخصيته العظيمة، بدأ المنصوب تجسيد تلك الفكرة في قوالب ورسوم بيانية، في سياق العمل على توظيف النمط الإسلامي في الديكور بطريقة سلسة معبّرة عن المناسبة، إذ يقول "تم تصميم الديكور على نسق النمط الإسلامي، فهو مصمم على نسق شعار المهرجان".
وبالاقتراب أكثر من الديكور البديع لمهرجان الرسول الأعظم، في هذه الدورة، وتفاصيله وألوانه يضيف المهندس المنصوب "من ناحية الشكل فقد احتوى على الزخارف الاسلامية بالإضافة إلى القبة التي تتوسط المسرح على نمط قبة المسجد النبوي، وبخصوص الألوان اخترنا اللونين الأخضر والفيروزي واللذين شكلا تناسق جميل جدا خدم العرض وتلائم مع المناسبة العظيمة".
دون كلل
حتى الآن ما يزال الديكور على الورق، إلا أنه يبدو جميلاً ومعبراً ولافتاً، وبعد هذا تنتقل الفكرة إلى طور التنفيذ، بعد اعتمادها واستكمال كل تفاصيلها، حينها كان هناك من ينتظر بشغف لتنفيذ ديكور من نوع فريد بتشكيلاته ومتفرد عن سابقيه في الدورات الثمان، ناهيك عن كونه يرتبط بمهرجان صاحبه هو سيد الخلق.
فريق التنفيذ تلقف الفكرة بكل شوق، واستنفر عامليه للبدء بترجمة المخطط ورسمه الحي على أرض الواقع، "بوتيرة عالية وهمة قوية وروح متفانية محبة للعمل في حضرة الرسول، كنا جميعاً نعمل، ونستمر في العمل لأوقات متأخرة دون كلل وملل، فنحن مهما عملنا فهو قليل في حضرة الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله"، بهذه العبارات يصف المهندس التنفيذي للديكور محمد الشيباني شعوره وفريق العمل إبّان هذه المرحلة.
بدأ العمل عليه، ووصل المنفذون ليلهم بنهارهم، وهم ينحتون ويشّكلون، يبدعون ويتميزون، يتحركون كخلايا نحل تبحث عن رحيق الأزهار لتملأ خلاياها بالعسل، يعملون بلا كلل ولا ملل، وكيف لا يكون ذلك وهم في حضرة الرسول الأعظم، ففي كل يوم كان يزداد جمالًا.
يليق بالمقام
ينظرون إليه كطفل يتربى ويكبر في أعينهم حتى صار شاباً واكتمل بناءه، يشعرون بالسعادة، وينظرون إليه كعريس تربع في قاعة المهرجان، وهنا شعور بالفخر، وفخرهم يكمن في مشاركتهم في رسم هذه اللوحة في مقام رسول الرحمة والهداية عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، فهي لا تسوي شيئًا في حضرته، هكذا وصف العاملون الديكور وبعبارات كهذه يروي طاقم العمل مرحلة التجهيز.
على خشبة المسرح تربع الديكور، فكساها حلة من الجمال بنقوشه الإسلامية، وروحانيته المحمدية، وهنا يعبر الحضور عن الإضافة النوعية التي أضافها ديكور المهرجان، فأحدهم يقول: "لولا وجوده لما شعرنا حقًا بأننا في قاعة مهرجان الرسول الأعظم"، وآخر يؤكد: "أفضل مكان يستطيع المبدع من خلاله الوقوف والتعبير عن مدى اشتياقه وحبه وتعلقه بالرسول الأعظم"، وغيرهم يضيف: "الصمت في حرم الجمال جمالُ"، ويتحدث متسابق: "نشعر أننا في مقام رسول الله، وكأننا في كبريات المسارح العالمية".
حقيقة ما طرحوه لا يعدو كونه سر من أسرار الجمال المحمدي، وكيف لا يكون كذلك وغاية وجوده هي توفير الحرم اللائق للمبدعين، للبوح بمعاني الحب والولاء والانتماء لخاتم النبيين وسيد المرسلين، من كساه الله ثوب الجمال، ويستمر لليوم الثالث على التوالي الديكور في المشاركة بتقديم البهاء والجمال في حضرة الرسول الأعظم، مع المتسابقين في شتى المجالات.
جزء من الإبداع الفني يتمثل في هذه الأعمال اللافتة والمتميزة، وديكور مسرح مهرجان الرسول الأعظم، وإن كان لا يرتقي بأقل القليل إلى المبعوث رحمة للعالمين، إلا أنّه يحاول بقدر الإمكان أن يضيف منظرًا جماليًا بقدر الفرحة بذكرى ميلاده، وبزخارفه البديعة ونمطه الإسلامي يخلق جوًا من الارتباط بالهوية الإيمانية والتراث الإسلامي، ويبعث في النفوس روحانية التعظيم والتوقير لسيد الخلق أجمعين، محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم.